Menu

معركة مأرب تعري الموقف الأمريكي

عليان عليان

خاص بوابة الهدف

لا نغامر بهذا العنوان إذا قلنا أن المعركة الدائرة في محيط مدينة مأرب  الاستراتيجية منذ حوالي شهر،هي التي ستقرر بشكل رئيسي مصير الحرب الدائرة على أرض اليمن منذ عام 2015، نظراً للاعتبارات التالية:

أولاً: موقعها الاستراتيجي؛ إذ أنها قريبة من الحدود مع السعودية، وتحاذي شرقاً محافظتي شبوة وحضرموت الساحليتين على بحر العرب، وتحاذي جنوباً محافظتي البيضاء وشبوة، وتحاذي في الجنوب الغربي أجزاء من مديرية بني ضبيان شمال شرق محافظة صنعاء، وتحاذي من الجهة الغربية والشمالية الغربية مديريات نِهم وخولان الطِّيال شرق صنعاء، كما أن محافظة الجوف تقع عند الناحية الشمالية للمحافظة.

ثانياً: أنهاالقاعدة العسكرية الأولى والأكبر لقوات التحالف السعودي ولحكومة عبد ربه منصور هادي، وتضم مقار وزارة الدفاع وقوات التحالف السعودي ورئاسة هيئة الأركان العامة وقيادتي المنطقتين العسكريتين الثالثة والسابعة التابعة لحكومة الرئيس هادي.

وثالثاً:لأنها من أهم المحافظات المنتجة للغاز والنفط؛إذ أن تحريرها يمكن حكومة صنعاء من التحرر من الضائقة النفطية الناجمة عن الحصار المفروض على ميناء مأرب ومنع وصول بواخر النفط لتفريخ حمولاتها.

رابعاً: لأنها محافظة سياحية غنية بأهم المواقع الأثرية والتاريخية، بالإضافة إلى كونها من أبرز المحافظات الزراعية(انظر تقرير الميادين بشأن الأهمية الاستراتيجيةلمحافظة مأرب،بتاريخ 20 شباط (فبراير) الماضي).

لقد كشفت معركة مأرب المحتدمة الآن على تخومها بين قوات هادي وقوات حزب الإصلاح الإخواني والقوات السعودية ومجاميع المرتزقة من جهة، وبين الجيش اليمني واللجان الشعبية من جهة أخرى، عن حقيقة الموقف الأمريكي في عهد الرئيس الأمريكي جوزف بايدن الذي راهن  البعض عليه، عندما أعلن أنه لن يدعم العدوان السعودي على اليمن، وأنه سيوقف إرسال الأسلحة والذخائر ذات الطابع الهجومي  إلى السعودية، وأنه سيلغي  التصنيف الذي أطلقه سلفه "دونالد ترامب" على حركة أنصار الله بانها جماعة إرهابية، وأنه بصدد إعادة تقييم العلاقة مع السعودية...الخ.

لقد رحبت صنعاء به بشكل متحفظبقرارات بايدن، في إطار قراءتها المتأنية والاستراتيجية للموقف الأمريكي، رغم إدراكها  لحقيقة أن العدوان على اليمن في الجوهر هو عدوان أمريكي، تشارك فيه معظم دول الغرب (بريطانيا وفرنسا وألمانيا واسبانيا) والعدو الصهيوني، وأن السعودية والإمارات أداتان تنفيذيتان له،لكن حكومة صنعاء وقيادات أنصار الله لم  تتوقفعن إصدار، التصريحات بأن قرارات بايدن تفقد أهميتها إذا لم تتم ترجمتها على الأرض، عبر إصدار تعليماتها لولي العهد السعودي محمد بن سلمان بإيقاف العدوان، وإلغاء الحصار عن ميناء مأرب ومطارصنعاء.

معركة مأرب تعري الموقف الأمريكي

جاءت معركة مأرب الاستراتيجية،  لتعري الإدارة الأمريكية وتكشف  زيف موقفها من العدوان السعودي، عندما سارع الرئيس الأمريكي "جوزفبايدن" ووزير خارجيته"أننتوني بلينكن"،بمطالبة الجيش واللجان بوقف الزحف على مدينة مأرب ومنع  تحريرها والعودة إلى المفاوضات والعملية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة، في الوقت الذي لم تعلق فيه  إدارة بايدنعلى استمرار العدوان والقصف السجادي السعودي على كل شبر من أرض اليمن، الذي راح ضحيته منذ عام 2015 ما يزيد عن 230 ألف مواطن يمني ودمر ولا يزال يدمر البنية التحتية لليمن،ولم يتورع عن قصف الأهداف المدنية من مدارس ومستشفيات ومصانع ومواقع أثرية وأسواق تجارية، وبيوت العزاء..الخ.

كما أن إدارة بايدن، لم تعلق على محاولات التحالف السعودي وأدواته،للسيطرة على مواقع جديدة في اليمن، ما يعني بدون كثير من التمحيص، بأن بايدن أطلق يد بن سلمان للاستمرار في الحرب لتحسين شروط السعودية وواشنطن، في التسوية القادمة مع حكومة صنعاء بعد أن لاحت تباشير النصر للجيش اليمني واللجان الشعبية.

مسلسل انتصارات الجيش واللجان الشعبية

من جانبها واصلت قوات صنعاء (الجيش واللجان الشعبية)تسجيل انتصاراتها على الأرض، وحطمت محاولات التحالف السعودي للامساك بأي جزء من الأراضي المحررة،وفي الذاكرة القريبة كيف تمكن الجيش اليمني من تحطيم محاولات قوات هادي ومرتزقته من السيطرة على مديرية "نهم"الاستراتيجية شمال وشرق صنعاء في يناير (كانون ثاني) 2020 لفتح الطريق إلى العاصمة.

 تجدر الإشارة هنا إلى أن مساحة مديرية "نهم" تبلغ1841 كيلومترا مربعا، وهي أكبر من مساحة صنعاء بأربع مرات؛ ناهيك أن الجيش اليمني تمكن في عمليات توازن الردع المتكررة، من نقل المعركة إلى أرض العدو، وفي الذاكرة- على سبيل المثال لا الحصر- العملية العسكرية الضخمة للجيش واللجان الشعبية في عمق محافظة نجران تحت اسم  "نصر من الله"بتاريخ 28سبتمبر ( أيلول) 2019، والتي تمكن  خلالها من إسقاط 3 ألوية سعودية وقتل المئات وأسر الآلاف من العناصر، بينهم أعداد كبيرة من قادة وضباط وجنود الجيش السعودي؛ ناهيك عن تحرير مئات الكيلو مترات، حيث جرى عرض هذا المشهد بالصوت والصورة.

لا يتسع المجال هنا، لسرد تفاصيل الانتصارات اليمنية في كل المحافظات اليمنية واندحار قوات  التحالف السعودي والمرتزقة على مدى ست سنوات من عمر الحرب، لكن التطور الاستراتيجي الهام في مواجهة العدوان، هو أن الجيش اليمني تمكن ابتداء من عام 2019من نقل المعركة إلى العمق السعودي،عبر منظومات صواريخه المتطورة وطائراته المسيرة التي قصفت ولا تزال تقصف منشآت العدو النفطية على امتداد الخارطة السعودية من أبقيق في الشرق إلى منطقة الرياض في الوسط وصولاً إلى ميناء جدة ومنشآت أرامكو النفطية في الغرب؛ناهيك عن استهداف معظم المطارات السعودية مثل مطار الرياض، مطار الملك خالد؛ مطار أبها؛ مطار خميس مشيط؛وكذلك استهداف قصور ومواقع عسكرية في الرياض ذاتها، دون أن تتمكن صواريخ باتريوت وأجهزة رادار قوى العدوان من  اعتراضها أو وقفها.

في مواجهة التكتيك الأمريكي

وأمام انكشاف التكتيك الأمريكي، بشأن  المطالبة بوقف العدوان السعودي على  اليمن دون ترجمته على الأرض، والذي يستهدف إنقاذ الولايات المتحدة وأداتها السعودية من الهزيمة التي باتت شبه محققة، جراء الصمود الأسطوري للشعب اليمني والجيش واللجان بقيادة حركة أنصار اللهوبدعم من أطراف محور المقاومة، كشفت حكومة صنعاء عن  تطور كبير في قدراتها العسكرية من خلال تطوير منظوماتها الصاروخية وطائراتها المسيرة  التي وضعت قوى العدوان في مـزق استراتيجي، فلا هي قادرة على تحقيق أي من أهداف العدوان، ولا هي قادرة عن التوقف عن الحرب وتبدو مهزومة بعد هذا الكم الهائل من الخسائر البشرية والاقتصادية.

جاء الرد على التكتيك الأمريكي،من خلال  الثبات على  الموقف السياسي المستند إلى الانتصارات في الميدان، والذي جرى ترجمته فوراً بالمسارعة باتجاه تحرير مأرب من جهة، وبإطلاق مرحلة جديدة من توازن الردععبر عمليتين أطلق عليها عملية "توازن الردع الخامسة" التي تضمنت عملية هجومية كبيرة باتجاه العمق السعودي، باستخدام صاروخ بالستي من نوع "ذو الفقار" و15 طائرة مسيّرة، وعملية" توازن الردع السادسة عبر استهداف موقع أرامكو في ميناء "رأس تنورة" ومواقععسكرية في الدمام وعسير وجيزان(مطار أبها، ومطار خميس مشيط، ومطار الملك خالد، ومنشآت أرامكو بمدينة جدة  وغيرها) بـ14 طائرة مسيرة و8 صواريخ بالستية.. منها 10 طائرات مسيرة نوع صماد 3 وصاروخ ذو الفقار.

وشكلت عملية قصف ميناء رأس تنورة في شرق السعودية، ضربة كبيرة وموجعة لقطاع النفط السعودي، فهذا الميناء يعتبر أهم ميناء نفطي ويشحن منه أكثر من 90% من صادرات النفط السعودية، ويحتضنأحد أكبر مصافي النفط في العالم وميناءين لشحن النفط ومعملا للغاز وآخر لإنتاج الكبريت، وكذلك أول وأكبر محطة كهرباء بخارية في منطقة غرب آسيا.

 وعملية توازن الردع السادسة، فتحت الباب أمام عمليات شبه يومية ومتصاعدة لضرب المواقع العسكرية والنفطية في العمق السعودي، مع ضرورة الإشارة هنا إلى أن حركة أنصار الله تخوض حرباً نظيفة ضد قوى العدوان، من زاوية عدم استهدافها للمدنيين، بعكس قوات التحالف السعودي التي تركز في ضرباتها على المدنيين وعلى البنى التحتية.

معركة تحرر وطني

اللافت للنظر أن قيادات في حركة أنصار الله أعلنت ولأول مرة، بأنها في مواجهة العدوان الصهيو أميركي السعودي الغربي؛ تخوض معارك " تحرر وطني"، وهذا التوصيف الجديد لطبيعة الحرب، ينطوي على أبعاد كبيرة أبرزها:

1-أن حكومة صنعاء بقيادة أنصار الله لن تسمح بعودة عبد ربه منصور هادي للمشاركة في أية حكومة انتقالية.

2- أن اليمن خرجت وإلى الأبد من الاستراتيجية السعودية التي تعاملت معها بأنه حديقة خلفية لها تتحكم بها اقتصادياً وعسكرياً.

2- أن المفاوضات ستكون بين الحكم السعودي وبين حركة أنصار الله لجهة وقف العدوان مقابل توقف الجيش اليمني عن استهداف العمق السعودي بالمسيرات والصواريخ المتطورة.

3- أن حركة أنصار الله لن توقف القتال إلا بعد ضمان تحرير الأراضي اليمنية والمياه الإقليمية كافة، وتحرير مضيق باب المندب وجزيرة سو قطر ة من الاحتلالينالإماراتي والسعودي الذي مكن الكيان الصهيوني من التواجد أمنياً فيهما.

4-  الحيلولة دون تحول البحر الأحمر إلى بحر إسرائيلي أمريكي.

5- التأكيد العملي على أن اليمن جزء لا يتجزأ من محور المقاومة، وركناً أساسياً من أركانه في مواجهة المشروع الصهيو أميركي الرجعي، ولعل تهديد الجيش اليمني بأن صواريخه المتطور التي أصابت العمق السعودي قادرة على ضرب عمق الكيان الصهيوني لمؤشر على ذلك.

حركة أنصار الله ترفض مبادرة المبعوث الأمريكي

بعد أن أمضى المبعوث الأممي "مارتن غريفثس" إلى اليمن وقتاً طويلاً دون أن يقترب من حل الأزمة اليمنية، بحكم انحياز القائمين على الملف اليمني في الأمم المتحدة للسعودية، ورفعهم مراراً وتكراراً اسم السعودية من القائمة السوداء، وتلكؤهم في إرسال المواد الضرورية لليمن، بدأت الظروف تنضج باتجاه إنجاز تسوية للأزمة، وإن كانت هذه التسوية ليست قريبة في المدى المنظر ودونها معارك كبيرة وحاسمة.

ومعركة مأرب الحالية جزء حاسم من معاركالتسوية، يتلوها معركة عدن وحضرموت وتعز، وفق إدراك القوى المتحاربة، لحقيقة أن من يملك السيطرة على أكبر رقعة جغرافية يملك فرض شروطه في أية تسوية قادمة.

وفي  الوقت الذي بات فيه الجيش اليمني، واللجان الشعبية  يحققان انتصارات حاسمة في محيط مأرب، طرح المبعوث الأمريكيإلى اليمن"تيموثيليندركينغ" مبادرة  في الثاني عشر من شهر  مارس ( آذار ) الجاري، لم تنص بشكل جازم على وقف إطلاق النار وتنص على السماح بفتح مطار صنعاء وفق شروط محددة،ولا  تنص على وقف الحصار بل تشير إلى أن الولايات المتحدة ستستأنف تمويل المساعدات الإنسانية المخصصة إلى الشمال اليمني الخاضع لسيطرة "أنصار الله"، وأن واشنطن ستعمل مع السعودية والحكومة اليمنية المعترف بها دوليا من أجل إيجاد سبيل لتقديم الوقود إلى اليمنيين الأشد حاجة إليه.

وقد أعلنت حركة أنصار الله على لسان ناطقها الرسمي ورئيس وفدها المفاوض محمد عبد السلام رفضها القاطع للمبادرة الأمريكية حيث قال: "أن المقترح الأمريكي لا ينص على وقف إطلاق النار ولا على وقف الحصار، بل ينطوي علىالتفافات شكلية تؤدي لعودة الحصار بشكل دبلوماسي، مبيناً أنه من الشروط المطروحة في المبادرة تحديد وجهات مطار صنعاء، وإصدار التراخيص عبر تحالف العدوان، وأن تكون الجوازات غير صادرة من صنعاء".

وأضاف: "أن الأمريكيين بتقديمهم الشروط السعودية كمقترح لوقف الحرب، أثبتوا مجدداً أنهم يقفون خلف العدوان والحصار بشكل صريح، مؤكداً "أنه ما لم يحصلوا عليه بالحرب والدمار لن يحصوا عليه بالحوار، وأن العدوان والحصار لم يتوقفا ليوم واحد منذ ستة أعوام...فما هو المفهوم الأمريكي لوقف إطلاق النار؟".

ولفت عبد السلام "إلى أنه لا يوجد تغيير حقيقي نحو إنهاء الحرب ورفع الحصار، وهذه الأمور بيد الطرف الآخر" ... مضيفاً: "أن ما قاله المبعوث الأمريكي حول وصول المساعدات إلى اليمن، وعدم وصولها إلى مستحقيها ينطوي على سقطة كبيرة جداً"، مبيناً أن السفن النفطية يشتريها تجار يمنيون بأموالهم، وتحصل على تصريح أممي، ويأتي تحالف العدوان ليمنعها من الوصول تعسفياً.

 لقد أدركت حركة أنصار الله، أن الهدف التكتيكي من طرح المبادرة في هذه اللحظة السياسية هو الحيلولة دون تحرير مأرب، وإخضاعها لمساومات تنهي من خلالها قبضتها على الأراضي اليمنية، ومن هنا جاء تأكيدها الجازم "بأن ما فشلت قوى العدوان من تحقيقه في الميدان، لن تفلح في تحقيقه على طاولة المفاوضات".

انتهى